إن جودة القرار، ودقة صناعته تؤثران، سلبًا أو إيجابًا، في نجاح المشروع الناشئ بشكل خاص؛
لا سيما أنه يكون، في هذه المرحلة، أشبه بالجنين، ومن ثم يكون أكثر عرضة للتأثر السلبي بالقرارات الخاطئة.
وهذا يجعل عملية صناعة القرارات عملية صعبة، فالقرار اختيار،
واتخاذ قرار دون آخر يعني تفضيله عما سواه من بين مجموعة بدائل مطروحة، وهذا الاختيار الواعي،
هو أساس عملية اتخاذ القرار، فوجاهة ما يتخذه رائد الأعمال أو المدير من قرارات، يتوقف عليه جودة ما يتم إنجازه من أعمال.
وقد يظن البعض أن عملية اتخاذ القرارات أمر سهل، بينما العكس هو الصحيح غالبًا؛
فهناك قرارات يصعب التراجع عنها، خاصة إذا ترتب عليها ماليات، وتوظيف أشخاص أو الاستغناء عن آخرين؛ لذا لا يجب اتخاذ قرار ما دون القدرة على التنبؤ بعواقبه.
استشراف المستقبل
صنع القرار هو، في الأصل، محاولة لصناعة مستقبل أفضل، هذا من جهة، ومن جهة أخرى،
هو عملية مبنية على التنبؤ بهذا المستقبل واستشرافه؛
فإذا كنا نهدف إلى نجاح المشروع الناشئ على سبيل المثال فإننا سنسعى جاهدين إلى التنبؤ
بكل ما قد يلوح في الأفق من أحداث؛ أملًا في اتخاذ قرارات تساعد في تحقيق هذا الهدف.
ليس هذا فحسب، بل إن عملية صناعة القرارات ذاتها، وما تنطوي عليه من تخطيط،
تعمل على الوصول إلى مستقبل أفضل من ذاك الواقع القائم بالفعل.
ومن هنا يظهر أنه من المتعين على رائد الأعمال لا أن يطور من مهارة صنع واتخاذ القرار لديه فحسب، وإنما أن يتمكن من قراءة الحاضر بشكل جلي وجيد، وأن يتنبأ بالمستقبل، وهكذا يمكنه الوصول إلى هدفه النهائي وهو نجاح المشروع الناشئ.
أنواع القرارات
عادةً ما يكون اتخاذ القرارات محفوفًا ببيئة عمل معقدة، خاصة إذا كان لهذه القرارات تأثيرات شتى في مختلف الأقسام والإدارات؛ فليست القرارات كلها مثل بعضها، فهناك قرارات روتينية ذات تأثير محدود، وهناك قرارات طارئة، تُتخذ وقت الأزمات، وهي غالبًا ما تثير حالة من السخط العام لدى الموظفين، وتسبب حالة من الإرباك.
وعلى المدراء المحنكين في مثل هذه الظروف الإمساك بزمام الأمور، وأن يصنعوا التغيير، دون الاكتفاء فقط بإدارة الخلافات، فما الإدارة إلا صناعة التغيير!
ليس القرار الجديد _الذي يتم اتخاذه من قِبل هذا المدير أو ذاك_ حلًا سحريًا،
وإنما العبرة في قدرته على حل المشكلة التي تم اتخاذه من أجلها، إلا إذا كانت هناك خطة موضوعة سلفًا، وقابلة للتطبيق الفعلي على أرض الواقع، وتم اتخاذ هذا القرار وفقًا لها وبناءً عليها.
ولا شك في أنِّ عملية اتخاذ القرار تنطوي على تخطيط من نوع ما، وإلا كان اتخاذ القرار ضربًا من التفكير في الفراغ؛ إذ لا فائدة من قرارات اُتخذت عفويًا وبدون شكل مخطط ومدروس.
وعلى كل حال، علينا إدراك أن التخطيط، أو الإدارة عمومًا، نوع من الهندسة في البشر؛ وهو ما يجعله أمرًا عسيرًا؛ لما لها من تبعات وعواقب، قد تكون سلبية، على البعض.
قرارات ومشاكل
ويُعد اتخاذ القرار التزامًا منطقيًا وعاطفيًا، حتى وإن بدا بسيطًا، فما من قرار إلا ويترتب عليه عواقب وترتيبات،
لا سيما أن اتخاذ القرارات هدفه معالجة مشكلات قائمة بالفعل، مالية كانت، أو إدارية، أو شخصية، أو فنية.
وفي بعض أنماط الإدارات المتطورة، هناك قرارات تُتخذ لمواجهة مشكلات مستقبلية،
لكن يجب مراعاة أن كل القرارات مؤقتة، فالقرار الذي اتُّخِذ كان أفضل خيار عمل ممكن؛\
وبالتالي فإن العدول عنه وارد، إذا تغيرت شروط العمل وظروفه.
يعني هذا أن اتخاذ القرار مرتبط بالمستقبل كما هو متعلق بالحاضر ومشكلاته،
ولكي نصل إلى مرحلة نجاح المشروع الناشئ فعلينا أن نفكر في الحاضر والمستقبل
على حد سواء وبنفس القدر، وأن نعي أن كليهما مؤثر في المشروع، ويساعد في إنجاحه أو إفشاله.
ومن هنا تأتي أهمية اتخاذ القرارات سواءً تلك التي تتعامل مع مشكلات آنية، أو تلك التي تتعامل مع مشكلات يُتوقع أن يصادفها المشروع في المستقبل القريب أو البعيد.