وفي ظل التوجه العام إلى العمل عن بُعد، خاصة بسبب وباء كورونا العالمي، لم يعد العمل معزولًا عن الحياة الشخصية، بل تم جلبه إلى حجرة النوم!
وعلى الرغم من المكاسب والمنافع الجلية التي يوفرها هذا النوع من العمل،
إلا أنه ينطوي على خطورة احتلال وقت فراغنا، واستنزاف حياتنا الخاصة.
صحيح أن Guy Winch؛ عالم النفس والمحاضر المعروف، يقول:
“إن الشيء المثير للاهتمام في ضغوط العمل، أننا لا نختبر الكثير منها في العمل.
نحن مشغولون للغاية. نحن نختبرها خارج العمل، عندما نتنقل، عندما نكون في المنزل، عندما نحاول تجديد شبابنا”.
لكن الأمر أمسى الآن مختلفًا بعض الشيء؛ إذ إننا لن ننتظر لكي نذهب إلى المنزل كي نفكر في العمل بل إن العمل نفسه أصبح من المنزل.
حين نصل إلى غير وجهتنا
معظم الذين يصابون بالتوتر والإرهاق، والذين تغزوهم أفكار سوداوية وهواجس بخصوص واجباتهم الوظيفية
هم من الأكفاء والماهرين، لكن هذه الأفكار التي لا يكفون عن اجترارها أوقات فراغهم تأتي دائمًا بنتائج عكسية؛
إذ أنها تؤثر في مستوى أدائهم المهني، وقدرتهم على أداء واجباتهم الوظيفية على النحو الأفضل
، فضلًا عن أنها ستؤثر سلبًا في صحتهم الجسدية.
من هنا أتى النظر إلى وقت الفراغ كأداة لشحن الطاقة والموظف المحنك والماهر حقًا هو ذاك القادر على إدارة واستغلال وقت فراغه كما يستخدم ويستغل وقت عمله.
لن ينجز في عمله من لم يهتم بوقت فراغه؛ فوقت الفراغ هو المحطة التي يتزود فيها المرء،
ويعيد شحن طاقاته، ويطفئ ماكينة عقله؛ حتى إذا عاود العمل من جديد كان أكثر إنتاجًا وإبداعًا.
وقت الفراغ وزيادة الإنتاجية
الذين يعملون طوال الوقت لن يطول بهم الحال كثيرًا، فلا تقع في الفخ حتى ولو كنت شغوفًا بعملك،
إن ما تحتاجه هو أن تعمل بشغف طوال حياتك المهنية وليس في فترة زمنية معينة
ثم تخبو جذوة شغفك وحماسك؛ ولكي تتمكن من ذلك عليك أن تتزود بوقت فراغ ولو قليل.
ما جدوى الفراغ إذًا؟ زيادة الإنتاجية وتحسين جودة العمل.
لكن جميعنا لديه وقت فراغ لكن هل جميعنا فارغ حقًا عندما يكون بعيدًا عن العمل، هذا هو السؤال الذي من الواجب طرحه في هذا الصدد.
يتعلق الأمر هنا بأننا لا نكون فارغين عندما نكون في بيوتنا أو عندما ننهي عملنا،
الفراغ الحقيقي هو سياحة في اللا شيء، وإطفاء ماكينة العقل،
وإعطاء الذات فرصة كي تستعيد نشاطها وتتنفس الصعداء؛ لكي تعمل بجد وجودة حال معاودة العمل، تلك هي إذًا جدوى الفراغ.
كن جادًا وأوقف نزيف الأفكار
لدى Guy Winch نصيحة مهمة في هذا الصدد؛ فلكي نتمكن من إطفاء ماكينة العقل أثناء وقت الفراغ، وحتى نكف عن اجترار أفكارنا وهواجسنا ومخاوفنا من المهام الوظيفية الملقاة على عاتقنا، يجب علينا _وفق الخبير النفسي_ أن نتعامل مع كل فكرة من هذه الأفكار أو هاجس من هذه الهواجس على أنها مشكلة، وأن نتعامل معها تعاملًا عمليًا.
باختصار، دوّنها لديك وضع لها وقتًا معينًا تنجزها فيه، بيد أن Guy Winch يذهب في الاتجاه المعاكس؛ فهو، على ما يبدو، يريد أن يحل المشكلة بطريقة معاكسة، أي عبر التفخيخ من الداخل؛ إذ يوصيك بتدوين الوقت المهدر في التفكير في كل هاجس من هذه الهواجس؛ حتى تتحسر في نهاية المطاف على مجموع هذا الوقت المهدر في التفكير فيما لا جدوى منه.