كما كانت بداية الفيروس من الصين، كان التفكير في استخدام طائرات الدرون في مواجهة الفيروس
من الصين ذاتها، حيث بدأت، منذ الأسابيع الأولى لتفشي المرض، في استخدام طائرات بدون طيار
مزودة بمكبرات صوت؛ لتذكير الجمهور بالقواعد الواجب اتخاذها حيال هذا الوباء، وبضرورة التباعد الاجتماعي.
التوجه العالمي نحو الدرون
لكن، وإن كانت الصين هي البداية فإن الأمر لم يتوقف عندها؛ إذ بعدها بقليل قررت الشرطة الفرنسية
استخدام الطائرات بدون طيار؛ لتحديد أولئك الذين انتهكوا قواعد الحجر الصحي في البلاد.
كان رجال الشرطة في نيس يصدرون أوامر، ويرسلون تعليمات السلامة عبر الطائرات بدون طيار؛
لضمان فرض الحجر الصحي وعدم خرقه.
وقال ديدييه لاليمنت؛ قائد شرطة باريس، في وقت سابق، “إن الطائرات بدون طيار لن تحل محل ضباط الشرطة، ولكنه جزء من جمع المعلومات”.
وفي السياق ذاته، تطور شركة “دراجان فلاي” في أمريكا الشمالية طائرة وبائية بدون طيار
يمكنها فحص حشود من الناس لمراقبة درجات حرارتهم، ومعدلات ضربات القلب لديهم، والسعال،
وحتى ضغط الدم، وهو الأمر الذي يعني أنه تم الالتفات إلى أهمية تلك العلاقة الموجودة بين الصحة والتقنيات الناشئة والسعي إلى الاستثمار فيها.
المملكة تلحق بالركب العالمي
ولم تكن المملكة العربية السعودية بعيدة عن هذا التوجه العالمي؛
إذ شرعت باستخدام تقنية الطائرات بدون طيار مزودة بكاميرات حرارية لرصد والكشف
عن درجات حرارة المتسوقين في عدد من المراكز التجارية، في عدة مناطق ومحافظات سعودية، كانت القصيم أولاها.
وتتولى طائرة “درون” قراءة درجة حرارة الجسم للأفراد داخل الحشود والمجموعات البشرية
في المناطق المفتوحة، وتحديد من لديهم درجة حرارة غير طبيعية بشكل آلي؛ ليتم بعد ذلك اتخاذ الإجراءات الوقائية؛ بهدف متابعة سلامة المتسوقين.
وكانت الإمارات سبّاقة هي الأخرى في استخدام طائرات الدرون؛ حيث استخدمت شرطة الشارقة
هذه التقنية الحديثة في مكافحة تفشي فيروس كورونا؛ عبر حث المواطنين والمقيمين
على تجنب التجمعات، وإرشادهم إلى ضرورة اتباع الإرشادات الصحية المعلن عنها من قِبل الجهات المعنية في الدولة.
تستخدم الشرطة الإسبانية، هي الأخرى، طائرات الدرون لتوبيخ أولئك الأشخاص الذين لا يحترمون قواعد الإبعاد الاجتماعي والحجر الصحي.
وبالمثل كانت العاصمة الليتوانية فيلنيوس، أيضًا، تصدر معلومات للمواطنين المسنين،
تخبرهم بأنه يجب عليهم البقاء في المنزل، بالإضافة إلى منشورات يتم تسليمها عن طريق هذا النوع من الطائرات.
علاوة على ذلك، أعلنت بلدية بورغاس، وهي مدينة ساحلية في بلغاريا، عن أنها ستقيس درجة حرارة مواطنيها باستخدام كاميرا حرارية موضوعة على طائرة بدون طيار.
ونظرًا للفائدة التي يقدمها هذا النوع من التقنية، ولقدرته على ترك أثر فاعل في مواجهة الفيروس
المستجد دون الإضرار بصحة الطواقم الطبية، فإن هناك الكثير من المنظمات الصحية وفرق الاستجابة الدولية تعمل على ترويج استخدام هذه الطائرات باعتبارها أداة ناجعة في أداء شتى المهام الصعبة.
لماذا طائرات الدرون؟
لم يكن تفكير الصين _أول من قرر استخدام هذه التقنية_ في طائرات الدرون أو الطائرات بدون طيار أمرًا عفويًا، أو مجرد تجربة عابرة، وإنما كان نتيجة معرفتها وإدراكها لما يمكن أن تؤديه هذه الأداة التقنية الحديثة.
فلنلاحظ أننا نتعامل مع أعداد بالمئات والآلاف من المصابين في كل بلد من البلدان، وهو الأمر الذي يجعل التعامل مع كل فرد على حدة من الصعوبة بمكان، كما أن إجراءات التوعية والتحذير والإرشاد تتطلب أداة كهذه تكون في الميدان ويمكنها الوصول إلى أي مكان، وتواجه المشكلات والمخالفات بشكل آنٍ وفوري.
ليس هذا فقط، بل إنها تعمل على ضمان صحة الطواقم الطبية؛ عبر التقليل من الاحتكاك ومن ثم نقل العدوى من المرضى إلى أفراد هذه الطواقم الطبية؛ لذلك فإن أهم ميزة في استخدام الطائرات بدون طيار هي، على الأرجح، أنه يمكنها الحد من الاتصال وجهًا لوجه، وبالتالي تقلل من فرص الإصابة بالفيروس الجديد.
إذ يمكن للطائرات بدون طيار أن تحمل كاميرات، أو مكبرات صوت،
أو حتى أشياء صغيرة من تلك التي يحتاجها أولئك المقيمون في الحجر الصحي، مثل البقالة والأدوية ومنتجات التطهير.
إن هذا الاستخدام الكثيف لطائرات الدرون من قِبل الكثير من دول وبلدان العالم سيجعل منها أداة رسمية
في السياسات الصحية فيما بعد هذه الأزمة، سوى أن هناك من يخشى من انتهاك السلطات المختلفة خصوصياتهم من خلال هذه الطائرات.
ولذلك فإن أمر استخدام هذه التقنية في الجانب الصحي، وبشكل أوسع مما كان مقررًا لها أن تُستخدم فيه،
سيخضع للكثير من محاولات التقنين، وتشريع القوانين التي تضع الأطر العامة للاستخدام السليم لطائرات الدرون.
التطبيب عن بُعد
بطبيعة الحال لن يكون فيروس كورونا هو الوباء الأخير الذي يهاجم العالم، فمن البديهي أن يُهاجم العالم بجوائح وأوبئة أخرى، لكن الأمر الجيد هو أن الإنسان يتعلم من كل كارثة ما يُمكّنه من التعامل بشكل جيد مع الكوارث التي تليها، ولعل إحداث هذا الدمج بين الصحة والتقنيات الناشئة سيساعدنا في تخطي الكثير من الأزمات التالية.
ولعل إدخال الطائرات بدون طيار في محاربة وباء كورونا يعني أننا أمسينا أمام نوع جديد من التطبيب، وهو التطبيب أو العلاج عن بُعد، وربما يكون للأمر نتائج وتطورات كبرى ومحورية على صعيد هذا النوع من التطبيب.
وإذا كان الإقبال على استخدام الطائرات بدون طيار في مجالات جديدة _أحدثها المجال الصحي
بطبيعة الحال_ كثيفًا، فمن المتوقع أن يلقى الاستثمار في هذا النوع من التقنية إقبالًا كثيفًا.
ولعل الدليل على تعاظم هذه الصناعة، وصعود الاستثمار في هذه التقنية الناشئة هو حجم هذا السوق الذي بلغ 100 مليارات دولار أمريكي، وذلك خلال أربع سنوات فقط.
وبلغ حجم سوق الاستثمار في الدرونز، خلال الفترة من 2016 إلى 2020، نحو 100 مليار دولار
موزعة على الاستخدامات العسكرية بنحو 70 مليار دولار، و30 مليار دولار على الاستخدامات التجارية والاستهلاكية.
أما بعد استخدام هذه الطائرات في المجال الصحي عبر مكافحة تفشي وباء كورونا، فمن المرجح أن يشهد الاستثمار في الطائرات بدون طيار قفزات نوعية جديدة، وأن تتعزز من جديد تلك العلاقة بين الصحة والتقنيات الناشئة، لا سيما أن بعض المستثمرين وأصحاب رؤوس الأموال سيرون أن مسؤوليتهم الاجتماعية وضميرهم الأخلاقي يحتمان عليهم الدخول في هذا النوع من الاستثمار.