يبدو أن تسارع الحياة وتعقيدها قد خلق فجوة كبيرة بين الأجيال الماضية والحاضرة، وجعل لكل جيل منهما اعتقادات ومبادئ وشخصيات مختلفة، فهل يعقل أن يتخذ شبابنا ممثلاً يتعاطى المخدرات ويقدم العنف والقتل والإرهاب والبلطجة فى الأعمال الفنية قدوة؟!.. الكارثة أن الشباب الصغير يقوم بتقليده، فما يُقدمه أخطر أنواع الإرهاب. وهذا يرجع لغياب القدوة، فتعتبر القدوة من أسباب النجاح فى الحياة لأثرها الكبير فى بناء الشخصية، وتكوين سلوك جديد وتعديل الأفكار.
إن الشخصية ذات القبول، المحبوبة، المحترمة عند الناس؛ إما أن تؤثر إيجابيًا فى الناس أو سلبيًا، فإن كان إيجابيًا، أصبح المجتمع صحيًا بأكمله، والعكس صحيح، فكيف يصبح رائد الأعمال قدوة حسنة لموظفيه، وكيف يكون كذلك في أسرته؟
هناك العديد من الصفات والسلوكيات، التي تجعل من الشخص قدوةً للآخرين بشكل عام، منها ما يلي:
القيادة بالقدوة:
يعد الكتاب الشهير “تطوير القائد بداخلك” للكاتب جون ماكسويل، من أبرز الكتب التي تناولت مفهوم القيادة. فمعنى أنك مدير، لا يعنى أنك قائد، فالقيادة لا تأتي من كونك أبًا أو أمًا أو معلمًا، بل بالرغبة والقدوة لأن تكون قائدًا ناجحًا لموظفيك، أو أبنائك، أو طالباتك، أو زملائك. يجب أن تعلم أن الناس لا تتبع فقط ما تفعله، بل سوف تفعل ما تقوله، فنجاحك تلقائيًا يجعل منك نموذجًا يُحتذى به؛ فذلك واقع يُفرض عليك.
تقديم الدعم اللازم:
الشخص القدوة يساعد من حوله، حتّى مع انعدام القدرة على تقديم الشيء المحدد الذي يحتاجونه؛ فالدعم المعنوي فى كثير من الحالات يكون كافيًا.
احترام آراء الآخرين:
الشخص القدوة يحترم آراء الآخرين، سواء كانت مؤيدة له، أو معارضة؛ فلكل إنسان الحق فى إبداء رأيه، فاختلاف الآراء لا يفسد للود قضية، كما يُمكن تعلّم أشياء جديدة من تلك الآراء، أو رؤية موقف معيّن من زاوية مختلفة.
الحكمة والنضج:
لا مشكلة فى أن يتصرّف الشخص بشكلٍ طفولي من حين لآخر، إلّا أنّ هناك أوقاتًا يجب أن يُثبت فيها الإنسان وعيه ونضجه، ويتعامل مع المواقف الصعبة كالمشاكل الأسرية، والمنافسة فى مجال العمل وغيرها.
الصدق:
الشخص القدوة صادق دائمًا، سواء مع أفراد عائلته، أو أصدقائه؛ فرغم أنّ الحقيقة تؤذى مشاعر الآخرين أحيانًا، إلّا أنّ الكذب يظلّ الأسوأ؛ فالنّاس تتجنّب الشخص الكاذب، ولا تثق به.
إظهار الاحترام:
أن تقول إنك تحترم الآخرين شيء، وأن تفعله شيءُ آخر. لإظهار الاحترام، اسأل نفسك: هل أدفع أحدًا لأحتل مكانه، أو حتى أسبقه بخطوة؟ هل تنظر للأشخاص كما هم وتقبلهم على ما هم عليه؟ هل تظهر الامتنان للآخرين؟ إنها غالبًا الأشياء الصغيرة التي تظهر احترامك للآخرين؛ وبالتالي يبادلونك الاحترام، ويتعلمون كيف يحترمون غيرهم.
إظهار الثقة بنفسك والآخرين:
أيًا ما كانت اختياراتك في حياتك، فافخر بالشخص الذي أصبحت أنت عليه، طالما كنت صالحًا شريفًا. عليك ببث الثقة فى فريق عملك، وأن تكون نموذجًا فى اتخاذك القرارات الإيجابية، عندما يتعلق الأمر بكونك نموذجًا يحتذى به، وأن تدرك أن خياراتك لا تؤثر فقط عليك، بل أيضًا على منْ يعتبرونك قدوة لهم. لا تتحدث فقط عن المثاليات، وتقديم الخيارات الجيدة للآخرين، بل ضعها موضع التنفيذ. عندما يكون لديك خيار صعب عليك القيام به، وازن بين الإيجابيات والسلبيات، فاتخاذ القرار الجيد مهارة هامة، مع بيان كيف توصَّل إليه؛ وبذلك يتمكن متبعوك من متابعة هذا المنطق عندما يكونون فى وضع مماثل.
الاعتذار والاعتراف بالأخطاء:
لا أحد مثاليًا، فعند اتخاذ خيار سيئ، دع من يتابعونك يتعلمون منك أنك ارتكبت خطأ، وكيف تخطط لتصحيحه. يمكن أن تصبح قدوة فى البيئة التعليمية، يُمكن للطالب أن يكون قدوة لمن حوله من خلال اتباع عدة خطوات؛ منها التركيز على التعلّم خلال عرض الدروس، والإصغاء للمعلمين والزملاء والأصدقاء عند تحدّث أى منهم فى المحاضرات، وإظهار الإيجابية دائمًا حتّى عند الشعور بالانزعاج من أمر ما، وتشجيع الآخرين على المثابرة ومواجهة المشاكل.
وصدق المولى عز وجل؛ إذ يقول في كتابه الكريم: ﴿ لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ﴾).الأحزاب 21) .