رويدًا رويدًا، وبخطوات بسيطة، خرج العديد من الناس إلى الشوارع التي كانت فارغة منذ أسابيع مضت،
وبعد أن عملوا عن بُعد لفترة ليست بالقصيرة، ها هم يفتحون أبواب مكاتبهم، مستعدين للعمل.
تجربة استثنائية
لا شك في أن الكثير ممن خاضوا تجربة الحجر المنزلي انتابهم الشعور بالملل،
بعد أن اشتاقوا إلى النزهات سواء مع العائلة أو الأصدقاء، يتبادلون الأحاديث وجهًا لوجه،
بعد أن اعتادوا رؤية وجوه أحبابهم والمقربين منهم، عبر شاشات الهواتف الذكية، أو الأجهزة اللوحية.
يبدو أن كل من اشتاق للحياة الطبيعية سيفر صارخًا من قيود الحجر المنزلي،
منطلقًا إلى المقاهي من جديد التي تحمل أطلال أجمل الجلسات مع الأصدقاء، وبحماس لا مثيل له، سيفتح حاسوبه على مكتبه الشخصي في العمل،
ويبدأ مرحلة جديدة من المثابرة، بعد الشعور السابق بالملل، والاشتياق إلى استعادة العهد السابق للإنسان، أي ما قبل الجائحة.
الأمر ليس سهلًا
لكن ما يحدث حقيقة عكس ذلك؛ نعم. إن الأمر ليس سهلًا بالمرة؛ فالخطوات التي تطؤها قدم الإنسان على الأرض بعيدًا عن منزله، تظل مثل خطوة طفل في أعوامه الأولى يحاول أن تلمس أقدامه الصغيرة حافة البحر على الشاطئ برفقة والديه.
إن الخطوات البسيطة التي يقوم بها الإنسان حاليًا تتمثل في عملية العودة بحذر إلى الحياة الطبيعية؛ لكن هل هي بالفعل طبيعية الآن؟ خاصة بعد أن فقد العالم ملايين الأرواح بسبب الجائحة.
الحفاظ على الصحة
عرف الإنسان المعاصر أهمية الحفاظ على صحته؛ إذ استطاع فيروس صغير لا يُرى بالعين المجردة
أن يغير معالم القارات، وصرنا نشاهد المناطق السياحية التي تكدست على مر السنوات بالزوّار،
خاوية على عروشها، يكاد تسمع فيها هدوء الصمت خلال الدقائق الأولى، ومن ثم،
تبدأ تلك الأماكن في ترديد صدى صوت كل من مر عليها، ضحكاتهم، أنينهم، أمنياتهم، ونظرات عيونهم.
فالثقافة الحالية للتعامل لا تتضمن احتضان القريب، أو المصافحة باليد التي تبث إحساس الطمأنينة إلى قلوب بعضهم البعض، فحياة ما بعد العزلة، مختلفة تمامًا عن كل ما يمكن تصوُره.
يمكن أن يترك الأصدقاء رسالة للقاء، أو يتعهدون بالذهاب إلى مقهى ذكرياتهم ذاته؛ إلا أن الابتسامات على الوجوه تبدلت بكمامات قماشية وصوت خافت من ورائها.
أحاديث مكررة
كلٌ سيتبادل أحاديث أيام العزلة، إلى أن تنقضي كل الكلمات، ويكتشف كل شخص أنه في دائرة الأحداث ذاتها،
يردد ما قاله مسبقًا عبر اجتماع افتراضي، سيسود الصمت، ويتبدد الحماس للعمل من المكاتب،
ويعود الملل، وتبقى الإرادة المسيطرة الوحيدة على الإنسان تتمثل في السفر إلى خارج البلاد، أو التمتع بنزهة على شواطئ إحدى أجمل المدن العالمية؛ لكن ماذا بعد؟
لعل الميزة الأهم للوضع الحالي، أن من يسألك: “كيف حالك؟” يقصدها بالفعل؛ فالجميع بات يهتم بالصحة،
يسعى للاطمئنان سواء على سلامة قريب، أو التأكد من عدة انتشار الفيروس.
وتبقى الأمنية الأكبر أن يكون وقت الجائحة لقّن الجميع درسًا صعبًا للغاية، في أصول الاهتمام بالإنسان أولًا، وربما المرة المقبلة التي تسأل فيها أخيك الإنسان عن حاله، تقصد بها الاهتمام فعلًا بوجوده، وبقائه، وأحواله الجيدة.
حياة مختلفة
لن تكون حياة ما بعد العزل كما كانت من قبل؛ فهناك وعي زائد عن الأمراض،
ومن البديهي أن العالم عرف أخيرًا أن هناك جنودًا بزي أبيض يدافعون عن حياة الإنسان،
لا يقفون عند الحدود الجغرافية للأوطان؛ لكنهم يقفون بالمرصاد عند حدود الأمراض المستعصية.
وبينما يتسلل الملل اللعين إلى قلب الحياة من جديد، تشرق أشعة الشمس،
ويجب أن يعرف الجميع أن ذلك الدفء الذي يشعرون به على وجوههم ليس ذاته الذي اعتاد أن يدخل من نافذة حجرة مغلقة بمنزلك،
والآن، ربما يكون الوقت مناسبًا للنظر أسفل قدميك، نعم. انظر أسفل قدميك؛ فهما تقفان على الأرض في شارع لم تره لشهور أو أسابيع طوال، أنت ناجٍ بالفعل.
النجاة من التحديات
نجوت من وباء الجهل، ووصلت بنور العزيمة إلى بر التغلب على التحديات، وها أنت تقف عند أعتاب مرحلة جديدة، ستقضي بها على الملل؛ إذ وفّر الفيروس الصغير فرصة ذهبية لكل إنسان أن يولد من جديد، فلتتغيّر، وتسعَ للتطوير إلى أفضل نسخة منك، لا تتخل عن إنسانيتك، وانظر الآن أمامك، وارسم ابتسامة الحاضر الذي تمتلكه في الوقت الحالي، واحفظ نفسك، وعائلتك من كل سوء بثقافة واعية، عقل مستنير، قلب محب، وروح حرة تنشر السلام.