منذ أعوام بعيدة، عمل صديقان في توزيع منتجات أحد المصانع في بلد عربي، وبعد عشرة أعوام من الاستقرار
– الوظيفي، سنحت لأحدهما فرصة امتلاك مصنع مشابه هجره صاحبه عائدًا لبلده الأوروبي
، فحاول إقناع صديقه بأن يشاركه شراء هذا المصنع، لكنه رفض رفضًا قاطعًا، خوفًا من المجازفة،
ولاعتياده الحياة كموظف براتب شهري مستقر.
بعد عشرين عامًا، صار الأول مالكًا لنصف عقارات مدينته، بعد أن كون ثروة بالملايين، ولم يشعر صديقه بالندم
إلا بعد أن تقاعد من عمله، وجلس في بيته وصار معاشه الشهري لا يكفي ثمن دوائه.
قصة قصيرة تتكرر في كثير من الأزمنة والأماكن، وتذكرنا بعالم ريادة الأعمال؛ حيث يتسم رائد الأعمال الناجح
بالجرأة والإقدام والمخاطرة المحسوبة Calculated Risk،
وكما قال الشاعر أبو القاسم الشابي:
“ومن يَتهيَّبْ صعودَ الجبالِ يَعِشْ أبدَ الدهرِ بين الحُفَر”.
لاحظت تشابه ونُطق الكلمة الإنجليزية Risk (رِيسك)، وتعني المخاطرة أو المجازفة، مع الكلمة العربية
“رِزق”؛ إذ غالبًا ما يتناسب الرزق طرديًا مع الريسك Risk، أو كلما زاد الريسك، زاد الرزق، أو بِقَدْر الريسك يأتي الرزق من الرزاق سبحانه وتعالى.
وفي الأوقات العادية، يركَن العامة إلى الخمول بالوظائف التقليدية، فما بالنا بالأوقات العصيبة كالتي نعيشها الآن
بتأثير جائحة كورونا؛ إذ يعزف كثيرون عن الاستثمار، رغم أن عددًا من أكبر الشركات العالمية
وُلِد وقت أزمات الركود الاقتصادي والتضخم المالي والكساد العالمي؛ مثل جنرال موتورز، وديزني وآي بي إم، وإتش بي، ومايكروسوفت، وغيرها كثير.
بالطبع تكون المخاطرة أكبر في أوقات الأزمات، لكن في المقابل تكون الثمار أعظم.
ولابد من أن نفرق بين هؤلاء المخاطرين الذين يقفزون في ماء عميق (السوق) بعد تسلحهم بالعلم والمعرفة
حول فنون العَوم والغَوص، وبين أولئك المغامرين (المقامرين) الذين يقفزون دون دراية أو معرفة؛ فيكون الأمر بمثابة انتحار.
أتذكر كلمات أجنبية أصلها عربية؛ مثل الكاميرا Camera المأخوذة من (القُمرة) أو الغرفة المظلمة،
اختراع العالم الحسن بن الهيثم، والخوارزمية هي أصل كلمة Algorithm للعالم محمد بن موسى الخوارزمي،
وورقة الصك هي أول شيك Check قبل اختراع البنوك، والكيمياء Alchemy،
الإنبيق (جهاز التقطير) Alembic، وشيفرة Cipher، والجبر Algebra،
وقيراط Carat وحدة قياس كتلة الألماس، وغيرها، فهل يمكن أن تكون كلمة Risk
مرتبطة بكلمة Rizq رِزق؟.. رزقكم الرزاق جميعًا.