وخلال أزمة كورونا الحالية تخبطت الكثير من الشركات، ولم تعرف كيف تتصرف، ولا أين تسير؛
وذلك عائد لأسباب جمة؛ من بينها غياب إدارة الموارد البشرية الناجحة ؛
لذا، توجهنا _في موقع رواد الأعمال_ إلى ياسر نصيف؛ خبير إدارة الموارد البشرية، وكان لنا معه هذه الوقفة المطولة..
ما أفضل السبل لإدارة الموارد البشرية خلال الأزمات؟
من الصعب إعطاء وصفة عامة تصلح للجميع؛ فالموارد البشرية اليوم تمر بوضع استثنائي يتطلب
وعيًا بمصالح العمل كشريك (Business Partner) وبالمتغيرات التي تحدث على مدار الساعة.
وبقدر وعي إدارة الموارد البشرية يمكن أن تتجاوز الشركات الأزمة بأقل درجة من الخسائر وربما ببعض المكاسب.
وهناك شركات مهددة بالإفلاس وأخرى مهددة بسبب ضغط العمل المتزايد ولكل حالة أسلوبها المناسب في العمل، ولكن بالعموم أهم ثلاث كلمات تختصر دور الموارد البشرية في هذه الأزمة هي:
- الوعي (بالمتغيرات).
- الاحترافية (في القرارات).
- التواصل (مع الموظفين).
التواصل الوظيفي وحل المشكلات
كيف نحافظ على معنوياتنا خلال هذه الظروف سواء في العمل أو حياتنا الشخصية؟
من الصعب أن تحافظ على معنويات الفريق بشكل مستمر حتى في الظروف العادية؛ فهذا أمر صعب داخل مقار العمل، ومع توفر كل سبل التحفيز في البيئة المكتبية. والآن وفي ظل هذه الظروف فهذه المهمة أهم وأصعب.
ولكني أقول وأكرر مرة أخرى: التواصل هو المفتاح لحل كثير من هذه التحديات التي تواجهنا؛ ولذلك لا بد من:
-الاجتماعات الدورية لمتابعة سير العمل، وتحديد المطلوب من الفريق والأفراد بدقة عالية.
-التواصل الاجتماعي للفريق ككل والشخصي One-on-one.
-الانشغال بمشاريع ملهمة للفريق حتى وإن لم تكن ذات عائد كبير.
وثمة أمر آخر، تذكر كقائد، “في الأزمات ينظر الفريق إلى عين القائد”، أن الفريق يرى وجهك بوضوح، وما أعنيه هنا هو نشر الروح المعنوية العالية، والتي يجب على القائد أن يبثها في فريقه؛ من خلال انفعالاته وقرارته، والقصص التي يحكيها، ونظرته للمستقبل أهي للأعلى أم للأسفل.
محاولة لاستشراف المستقبل
هل يمكننا التنبؤ بالمستقبل بناءً على المعطيات الحالية؟
كما يقولون الفيروس هو من سيقرر ، وليس اختياراتنا وتفضيلاتنا كما تعودنا. المؤكد بإذن الله أن الجائحة ستنتهي، نريد أن نكون بخير و أن نتمتع بالمرونة الكاملة التي تمكننا من النجاة، ومن مساعدة كل من حولنا في النجاة أيضًا.
شكل المستقبل أظنه لن يختلف كثيرًا عن الماضي، ولكنه سيكون بمميزات جديدة New Normal وأظن أهم ما سيميزه:
- تغير في محور العمل (الأهداف بدلًا من الحضور).
- تغيير في مكان العمل (مزيج بين المكتب وخارج المكتب).
- تغير في أسلوب الاجتماعات (وجهًا لوجه وعن بُعد).
- تغيير في رحلات العمل (ضروري وغير ضروري).
- تغيير في الدوام (تقليدي 9 -5 ومرن).
- تغيير في نمط الاتصال (توجه نحو الرقمية في كل المعاملات).
تحديات سوق العمل
وما التغيرات التي من المتوقع أن تطرأ على سوق العمل في المستقبل؟
يواجه العالم موجة غير مسبوقة من حالات إفلاس الشركات، بارتفاع 25% على المستوى الدولي، هذا سوف يتسبب في موجة من البطالة وفقدان الوظائف عالميًا، ولن نكون في معزل تام عنها، والمتوقع _بحسب منظمة العمل الدولية_ أن تصل الوظائف الملغاة لرقم غير مسبوق تاريخيًا يقدر بحوالي 350 مليون وظيفة.
بالإضافة لذلك، فسيمر سوق العمل بتحدٍ واسع الأبعاد، ويكاد لا يخلو قطاع من القطاعات من التفكير الجاد بالتحول الرقمي، الكل سيراجع كل شيء من أجل النجاة أولًا، ومن أجل النمو ثانيًا.
لن يبقى شيء ثابتًا في مكانه بسوق العمل على الأقل إلى نهاية 2021. لا يعني هذا أن كل شيء سيتغير وأننا سنعيش المستقبل الذي كنا نشاهده في الأفلام ولكن سيكون هناك مراجعة فوق العادة للعمل وممارساته من أجل تحقيق أفضل السبل للتوجه إلى المستقبل.
وهذه بعض التغييرات المتوقعة على المدى القريب والتي ستؤثر في سوق العمل من عدة أوجه:
- ستبدأ صور جديدة أو غير شائعة من اتفاقية العمل للانتشار في سوق العمل، كالعمل المرن والذي وضعت له وزارة الموارد البشرية السعودية تنظيمًا جديدًا مؤخرًا.
- سترتفع نسبة توجه الموظفين لبدء أعمالهم الخاصة وشركاتهم الناشئة.
- سيحتاج البعض لمراجعة مهاراته من أجل إعادة التدريب والحصول على درجات علمية تدعم قابليته للتوظيف.
- ستتوفر كوادر جيدة جدًا في السوق خسرت وظائفها ويمكن استقطابها.
التعامل مع الموظفين عن بُعد
كيف تتعامل الإدارة مع الموظفين عن بُعد؟
يعتمد التعامل مع الموظفين عن بُعد على عدة عوامل؛ منها: طبيعة القطاع الذي يعملون به، وطبيعة الوظيفة التي يؤدونها، وفلسفة الإدارة في الشركة، وطبيعة المدير المباشر.
وفي النهاية، الجميع يريد أن يتم العمل على أفضل وجه وبكفاءة عالية. وهناك برامج “تتبع الموظفين” يفضلها البعض وهي تركز على الحضور والجلوس لإنجاز المهام في ساعات محددة. وهناك أساليب تعتمد على الإدارة بالاهداف، فما دمت تحقق أهداف العمل في الوقت المحدد وبالجودة المطلوبة فلا يهمني حضورك أو المدة التي تقضيها أمام جهاز الكمبيوتر.
المهم أن تتواصل مع الموظفين، و تحدد الطريقة التي ستراقب بها العمل، وما هو المتوقع منهم، وكيف ستقيّم أداءهم في النهاية.
إدارة الموارد البشرية ودورها في الشركات
وما صفات إدارة الموارد البشرية الناجحة؟
إدارة الموارد البشرية الناجحة هي الإدارة التي تعتني بالموظفين بالطريقة الصحيحة إلهامًا وتوجيهًا وتحفيزًا وتدريبًا؛ لتحقيق أهداف الشركة الكبرى. هذه هي الغاية ببساطة.
كل ما يؤدي لهذه الغاية من خدمات وعمليات وبرامج وأجواء عمل ضروري، وعلى إدارة الموارد البشرية إيجادها وفق الميزانيات المتاحة.
وما دورها الحقيقي في الشركات؟
يخلط البعض بين أدوار الموارد البشرية الإدارية اليومية وبين دورها الاستراتيجي الذي لا تؤديه أغلب الشركات. في نظري دور إدارة الموارد البشرية الناجحة في الشركات هو الاعتناء بهرم الاحتياجات للموظفين وأهدافهم والمواءمة بينها وبين نجاح الشركة. ومن دون أن تُحدث هذا التوازن فأنت أمام حالة غير مستقرة في العمل سرعان ما ستكتشف محدوديتها.
ويظهر هذا في أوقات الأزمات بشكل أوضح، فنحن أمام حالة استثنائية تتطلب منا أن نعتني بالموظفين أكثر إن أردنا أن يعتني الموظفون بالشركة واستمرارها خلال هذه الأوقات.
طرق وآليات اختيار الموظفين
كيف يتم اختيار الموظفين؟
هناك عبارة شهيرة تقول: “نحن نوظف للمهارات ونفصل للسلوك”
، فالسلوك هو من يصنع ثقافة المنظمة وليس مجموع المهارات التي تمتلكها أفراد الشركة. أنا لا أقلل من أهمية المهارات واستخدامها كمؤشر جوهري للتوظيف، ولكن الحقيقة أن كثيرًا
من المهارات مكتسبة خاصة مع وجود المنطلقات السلوكية الصحيحة للتعلم والتطور والتحسين.
ولكن السؤال: كيف يمكنني أن أعرف سلوكيات الشخص أثناء مقابلته لأول مرة؟
الإجابة المبسطة هي أنك لن تستطيع معرفة سلوكيات الشخص أثناء المقابلة الشخصية، ولكن هناك مؤشرات يمكنك الاسترشاد بها في قرار التوظيف بناء على السلوك.
هناك طريقة تسمى CAR أثناء المقابلات، وهي طريقة تجعلك تفهم الشخص المقابل من خلال تصرفاته
وليس من خلال قدرته على الحديث أو شهاداته وخبراته. الطريقة ببساطة هي أن تسأل المتقدم للوظيفة عن تجارب سابقة في عمله أو حياته، اضطر فيها للتصرف وكيف كانت النتيجة.
ما تحتاج أن تلاحظه في الإجابة هو ثلاثة عناصر : الظرف – الفعل – النتيجة
C : Context – A : Action – R : Result
وبناءً على إجابته ستتعرف على طريقة تصرفه في الأحداث، والتي في حالته المثالية سيكون: ظرف مميز – فعل مميز – نتيجة مميزة، وبالعكس حين يكون فعل الشخص ضعيفًا سلبيًا أو أن النتيجة سيئة رغم فعله والتي قد تعكس سلوكيات غير مرغوبة في العمل. وأوقات التحديات ستدرك تمامًا أن الموظفين بالسلوكيات الجيدة هم رأس المال البشري الأهم على الإطلاق.
هيكلة رواتب الموظفين
كيف تقلل الإدارة الرواتب بشكل مهني؟
يعتمد هذا على الغرض من تغيير الرواتب، والذي تحكمه أنظمة العمل قانونيًا؛ فلا يحق للشركة النظر لمصالحها فقط بدون التأكد من نظامية قراراتها. هذا من جانب.
من جانب آخر، قد تضطر الشركة مرغمة، خاصة في الظروف الاستثنائية، إلى اتخاذ قرارات قاسية تخص رواتب الموظفين أو الاستغناء عنهم في بعض الحالات. وحتى تكون مهنيًا مع الموظفين فمن حقهم أن تتواصل معهم بطريقة واضحة وصريحة، ودعني أختصرها في 5 خطوات أساسية:
1. شرح للوضع ولماذا اتخذنا هذا القرار.
2. عرض المعلومات مكتوبة عن كل ما يتعلق بالتغييرات (التواريخ والقرارات).
3. أخذ موافقة الموظف الخطية على التغييرات إن لزم.
4. طرح ما يمكن تقديمه له للمساعدة في الفترة القادمة.
5. تفعيل القرارات بحسب الاتفاق.
نصائح لرواد الأعمال
كيف ستؤثر الفترة الحالية في رواد الأعمال؟ وما نصائحك لهم؟
الفترة الحالية ستؤثر في الجميع بلا شك، خاصة رواد الاعمال الذين لا يملكون بالضرورة الملاءة المالية اللازمة لامتصاص الصدمات والتقلبات في السوق أو لا تتوفر لديهم الخيارات المتاحة للمناورة.
وهذه أهم نصائحي لرواد الأعمال:
- اعتنِ بمشاعرك: فهي رأس مالك الأساسي.
- لا تنفعل: فالقرارات في ظل المتغيرات تحتاج وعيًا كاملًا.
- ركز على المهم: حدد أولوياتك بشكل واضح، وحدد ما يجب إهماله.
- كن مرنًا: في التغيير في نموذج العمل، في طريقة الخدمات، ولكن وفق الأولويات وليس المغامرات.
وأتوقع ارتفاع عدد المقبلين على ريادة الأعمال بسبب فقدان الوظائف في أشخاص أقوياء مهنيًا ولكن سوق العمل لم يستوعبهم.